كُتاب البوابة

“فسحة الأمل”

عند قراءتي لأحد كُتب “فيكتور إميل” وهو يتحدث عن تجربته في معسكرات أوشفيتز وما يتعرض إليه من ضغوط نفسية وحتى جسدية (ولكم أن تتخيلوا ما قد يحدث لسجين داخل معتقل) كنت أطرق قليلاً بعد كل مشهد يصوره لنا في كتابه، والذي بالتأكيد لم ينقل لنا سوى القليل، وأتساءل: تُرى ما سبب صمود دكتور فيكتور والكثير من المعتقلين الآخرين؟ ما السر وراء مقاومتهم؟ ما دافع تشبثهم بحياةٍ بائسة كهذه؟ على الرغم من عدم إيمانهم بمآلهم مقابل تنازلهم عن حياتهم، وتكذيبهم لما ينتظرهم من جزاء!

ولا أخفيكم بأنني كنت أحاول إشباع فضولي ببحثي عن جواب لتساؤلي ما بين السطور أثناء قراءتي، ناهيكم عن ذلك الجزء من دماغي الذي اعتاد على التحليل والتدقيق والربط، لذلك رأيت أنها فرصة جيدة ليزاول هوايته المفضلة، ومن هنا توصلت إلى أن تلك الدوافع التي كانت تدفع أولئك المعتقلين للصمود، تنحصر جميعها تحت دافع واحد ألا وهو : “الأمل”.

التعايش مع الاعتقال هو أمل في التحرر، ومقاومة المرض هي أمل في الشفاء، والصبر على مكابدة العناء هو أمل في الراحة، وتحمل الجوع هو أمل في الشبع، وحتى تلك النظرات التائهة في الفضاء الفسيح هي رسالة أمل صامتة، وتلك التنهيدة الهادئة من بين ضجيج تراكمات الصدور هي أمل كذلك، فالأمل هو المحرك الوحيد لنا في خضّم أمور الحياة المعرقلة، وهو اليد التي تنتشلنا من غياهب اليأس المظلمة، والسلبية القاتمة، وهو المادة المعنوية الوحيدة التي تحمي قلوبنا من عوامل الصدأ والتآكل.

وعلى الرغم من ارتباط الأمل بالتفاؤل والتمني إلا أن البروفسور “كارلوس” عرف الأمل قائلاً: (هو الأهداف والوسائل والطرق معاً) أي رسم حياتنا مع وجود الدوافع للوصول للنتيجة بجانب كيفية وآلية الوصول، ومع اختلاف تعريفات علماء النفس العديدة والفلاسفة، إلا أن الجميع يتفق في نهاية المطاف على أن الأمل “شعور إيجابي جيد” كونه ينقل المرء من حالة مزاجية سيئة “سلبية” إلى حالة مزاجية جيدة “إيجابية” على الصعيد النفسي والصعيدين الديني والصحي كذلك، فهو كما هو معلوم المضاد الأول لحالات الاكتئاب النفسية.

يقول الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها …
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

لن تستقر النفس إلا بالأمل، ولن تستقيم القلوب إلا بالأمل، وهو أصل التفاؤل وحسن الظن بالله عز وجل وهو القائل: (فنادى في الظلمات) حتى من وراء الظلمات الثلاث هناك أمل قائم،
(فعسى الله أن يأتي بالفتح) ،
(لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً)
لم يربينا الله عز وجل على زرع الأمل ويعلمنا التفاؤل وحسن الظن فيه عبثاً، كذلك نحن يجب أن نربي أنفسنا علو التعامل مع الأمل لما فيه من مغنم وخير، شريطة أن نضمها ضمن إطار الواقعية والمنطق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى