كُتاب البوابة

المدمن يكتب …

أمامهم أبدو أكثر هدوءًا في التعاطي، وقد أتعمد تخفيف الجرعات حتى لا تظهر جليّة على ملامحي أو في تصرفاتي تلك التي أحاول ضبط إيقاعها .
هذا ما وصلت إليه من قناعات أعيشها وأتعايش معها منذ أن تغلغلت حكاية الفضاء المفتوح والتطبيقات اللامنتهية في عالم كنا نظن من وهميّته ما يسبق واقعيته ؛ لكن كل شيء أصبح يحمل الحقيقة في عالم من لم يدمنه فهو في الطريق إلى ذلك والاستثناء قد يحدث .
تقول الدراسات التي أجراها أحد المعاهد المتخصصة في تقرير نشرته العربية أن طفلا من أصل أربعة يمر بحالة إدمان وقد يتطور الوضع .
ترى هل كل تلك الدراسات هي مشفى يقدم المسكنات ؟ وهل من أجرى تلك الدراسة يمر بحالة مشابهة لما أمر به ويجتهد؟
لكن لماذا لم يدرس حالة أمثالي ويحاول أن يضع الحلول أمام هذا العالم الرحب ؟ أزعم أنه فعل لكن لفرط انشغالي بجرعات التنبيهات في جهازي لم أكمل تلك الدراسة .
الإدمان الإلكتروني والذي صنفته منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف أخطر أنواع الإدمان على الإطلاق ، واعتبرته مرض نفسي يصيب الأطفال أكثر ممن هم في مثل عمري .
الاضطرابات السلوكية التي تخلفها العزلة وخيارات افتراضية هذا العالم والأمراض الجسدية جراء الجلوس وخلافه ندرك خطرها ونقرأها وفي ذات الوقت نمارس كل ذلك باختلاف الآلية والإدراك وعلى مرأى من أطفالنا ونحاول صنع الإيجابية بينما كل ما فينا يقول لهم أننا نحاول فقط تقييد حركة هذا الإدمان القابع أصلا في دواخلنا ويظهر جليّا .
وزارة الصحة السعودية وضعت حلولاً أظنها لا تتفق مع ما نعيشه وإن كانت من جهة اختصاص ، فعندما ذكرت أن الوقت المتاح لطفل ما قبل الدراسة هو ساعة واحدة وبمتابعة بالغ يرشدهم إلى فهم ما يتابعونه فهي في الحقيقة تطلب المستحيل وإن كان ممكنا ، فطفلي وطفلك في مثل هذا العمر قد يقضون أوقاتا طوالاً في يومهم ربما أتاحتها لهم تلك المساحات التي تتيحها لهم انشغال الآباء والأمهات بأجهزتهم التي باتت السوق والمدرسة والخبر وكل هذا لن يكون في ساعة واحدة .
ما يجعلني أكثر استغراباً هي إجماع كل تلك الدراسات والتحقيقات على أن الحل يبدأ من الوالدين وفرض الرقابة حتى لا يزداد الوضع تعقيداً .
أظن أن مثل هذه الحلول هي الأجدى إذا ما كان الوالدين على قدر المسؤولية ملتزمين بفرض تلك الرقابة على تصرفاتهم أولا في التعاطي مع أجهزتهم ومحاولة تخصيص الوقت من قبل الآباء والأمهات في حركة متوافقة ومتزامنه لاستخدام تلك الأجهزة ومن ثم تركها لممارسة الأنشطة ومناقشة العقول أولا .
أخيراً:
حتى نتخلص من التنظير على أبنائنا تدريجياً، فبالتدريج يمكننا تخفيف ساعات الإدمان بمشاركة أوقاتنا معهم حتى ولو كان على أجهزتهم . أن نكون أقرب إلى عقولهم يعني أن نحاول أن نقلص تلك الفجوة بين الأجيال ونحاول فهم هذا العالم المتسارع .عندها فقط سنمسك بزمام الأمر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى