كُتاب البوابة

نقد مصادر التشريع تصحيح أم تشويش؟

إن من الثابت تاريخياً الذي لا جدال فيه عند أهل السنة تحديداً وجود مصدرين للتشريع هما القرآن الكريم والسنّة النبوية وهذا ما أجمعت عليه الأمة بقيادة علماءها الربانيين منذ وفاة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا ، وأصح كتاب بشهادة علماء الأمة فيما يتعلق بسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو كتاب البخاري والذي يتعرض محتواه لهجوم شرس هذه الأيام مع أن الجميع يعلم أن عماده يرتكز على جمع سنّة الرسول وأحاديثه بمنهجية غاية في الدقة والوضوح ما جعل العلماء يعتبرونه ثاني مصادر التشريع بعد كتاب الله عز وجل.

إلا أن التمسك بالسنّة النبوية أصبح يواجه تحدٍ أوجده بعض المسلمين غير المتخصصين الذين قادهم غرورهم الفكري والبشري إلى الدعوة لتمحيص هذا النهج النبوي قائلين إن من قال به هم بشر مثلنا مثلهم يصيبون ويخطئون (وهذه كلمة حق ولكن أُريد بها باطل) ما يمنحنا الحق في نقدهم والتساؤل عن مدى قدرتهم على نقل وحفظ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ولنفترض جدلاً بأن المصادر التي بين أيدينا اجتهادات قابلة للخطأ والصواب بحكم أنها نتاج بشري فكيف نطمئن إلى أن القرآن قد نُقل بالفعل إلينا كما أنزله الله ؛ لأن ما يقوله لنا تاريخنا الديني أن من نقله لنا عبر الأجيال هم نفسهم من نقلوا لنا السنّة النبوية ما يجعل التشكيك في صواب هذا النقل هو تشكيك في الدين كلّه فنحن إذا شككنا في مدى صحّة مصدر من مصادر التشريع فمن الطبيعي أن ينال المصدر الآخر نصيب من التشكيك بحكم أن من أوصل المصدرين إلينا جهة واحدة.

وفي حال الرد على هذه المقاربة بقول أن وضع القرآن يختلف لأن الله سبحانه تعهد بحفظه فحينها نتوقف ونقول بأننا نعلم أن تنزيل القرآن قد اكتمل وتوقف بوفاة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ! إذن من حفظ ورعى هذا العهد الرباني يا ترى ونفذ هذه الإرادة الإلهية؟ أليسوا الصحابة والتابعين وتابع التابعين والسلف الصالح من بعدهم وصولاً إلى علماءنا الحاليين الذين يشهد الجميع بفضلهم ومكانتهم؛ هل يعقل أن هؤلاء جميعاً الذين ائتمنهم الله عز وجل على تنفيذ وعده سيخونون الأمانة؟.

إن التشكيك في مصادر التشريع ومدى صوابها إذا تحكم فينا وسيطرت فلسفته علينا قولاً وعملاً فإن ذلك سيقودنا عقلاً للقول بأن من نقلوا لنا هاذين المصدرين لم يكونوا جديرين باختيار الله لهم لتبليغ وحفظ رسالته وقرآنه ومثل هذا القول المفترى سيهدم حينها الدين برمته قولاً واحداً لأن النيل من ناقل مصدر تشريعي معين والتشويش على مدى صحّة نقله يدفع الكثير من قليلي العالم والمعرفة بشؤون الدين إلى التشكيك في مدى صواب نقله للمصدر الثاني كما أنزله الله وأمر باتباعه وهذا التهاون والتساهل في التشكيك (الذي يسمونه تلطيفاً بالنقد) أمر في غاية الخطورة حيث أن استسهال الخوض فيه من قبل أناس لا يعرف لهم قدر علمي كبير يعتمد عليه وليسوا من طلبة العلم المشهود لهم بالهداية والصلاح يهدد سلامة الدين نفسه ومدى التزام الناس به عندما يرون أن حتى ثوابته قد أصبحت حقاً مشاع وقابلة للأخذ والرد بعد أن كانت مسلّمات لا يجرؤ أحد على المساس بها أو الطعن فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى