كُتاب البوابة

العثمانيون والأندلس

كتب (أحمد أمين ) حكايته العظيمة مع ذلك البائع فوصفه بأنه البائع الذي يجوب شوارع القاهرة وأزقتها بحثاً عن قاريء نهم يفتش التاريخ ويقلب صفحاته ويرى أرواح أهل تلك الأزمنة ووجوههم على صفحات الورق .
ذلك البائع الذي كانت تقع بين يديه نوادر الكتب مصادفةً يحملها لمن يقتنصها وربما لايعلم قيمة مايحمله لكن الأهم بالنسبة له هو مايجنيه من رحلة البحث عنها ثم تسليمها لمن يقتنيها .
(علي بدّيّه) هو آخر الأندلسيين الذين أبقتهم الدنيا ورحمة الرحيم الرحمن ليكون شاهد العصر على آخر تفاصيل الأندلس وأيامها الخمسة التي سبقت تسليم أبي عبدالله لمفاتيح غرناطه وقصر الحمراء .
علي هذا حمل ماتبقى من مخطوطات شيخه وكتاباته وارتحل إلى القاهرة وهناك قضى ماتبقى من عمره .
الرابط بين الحكايتين هو ماكتبه علي بديه وأرفق معه مخطوطة شيخه التي كتب فيها ماحملته ذاكرته المثقلة من تفاصيل الوداع الأخير لأسطورة الأندلس وحضارتها وأيام مجدها .
ترك كتابه وبعد قرون التقط كتابه بائع الكتب ليسطر لنا قصة دامية عنوانها الأندلسي الأخير . هذا الأندلسي الذي شهد قصة دخول قادة النصرانية وقضاتها وجنودها إلى طليطلة وبلنسية وغيرها من حدود الأندلسيون وأراضيهم هو ذاته من شهد نحيب عجوز قالت : ( غرناطة يامولد نفسي .. غرناطة يافرحة عرسي ) وهو ذاته من سمع طفلا أمام أكبر جوامع غرناطة وهو يقول : لن أبكي موت أبي بل أخشى أن تقرع الأجراس في جوامع غرناطة .
ذلك الأندلسي هو من شهد على قصة لحاق رفيقه بقافلة أبي عبدالله بعد أن سلم مفاتيح الحمراء وغادرها وشهد آخر شمس تطل على الأندلس ، كانت كلمات أم عبدالله للتاريخ : ابك كالنساء على مجد لم تحافظ عليه كالرجال ..
كل هذا قليل مما كتبه أحمد أمين في كتابه لكن المؤلم هو أن توقيت سقوط هذه الدولة وتلك الحضارة وذلك المجد كان يتوافق مع نهضة الدولة العثمانية ورغباتها التوسعية وأهدافها المستقبلية التي كانت تحلم بصناعة وطن الخلود ..
لو كان العثمانيون فكروا قليلاً واستردوا تلك الدولة مع قوة الجيش وتوافر العدة ربما كان التاريخ سيشفع لهم ويغفر لهم كثيراً من حماقاتهم..
السؤال : هل كان العثمانيون يعرفون بكل مايدور هناك ؟

أخيراً:
الأندلسي الأخير حمل آخر فصول الرواية والعثمانيون كانوا نقطة سوداء في سنوات سبقتها .. التاريخ يصنعه أهله ومن يدّعون صناعته هم أسوأ مافيه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى