كُتاب البوابة

الجريمة الكامنة في وسائل التواصل

لقد أوجد الله الخير والشر كمسلكين للبشر وكطبيعة حياة لهم تتحكم بها أمور متعددة وأحياناً تكون هذه الأمور متناقضة فمثلاً نجد بعض البشر ينادون بتطبيق مبادئ خيّرة وسامية ؛ ولكن حين ننظر في سلوكهم نرى أنهم بمجرد أن يُتاح لهم فرصة مناقضة ما ينادون به لا يترددون أبداً في اغتنام تلك الفرصة ، وفي المقابل هنالك أشخاص نرى من أفكارهم وحديثهم مثالب ننتقدهم عليها ؛ ولكن عند التطبيق نراهم يسعون جاهدين إلى عدم ارتكاب أي مثلبة تحسب عليهم ويتم عقابهم عليها قانوناً أو ديناً ، وهذا المنهج المتناقض نجده واقع ملموس في وسائل التواصل التي توافق استخدامها مع سوء فهم البعض للهدف من التغييرات المجتمعية المستجدة عليهم ما جعل بوصلتهم تُشرّق وتُغرّب دون أن يتمكنوا من السيطرة عليها فنتج عن توهان تلك البوصلة مساوئ فكرية وسلوكية تسببت في إحداث اضطراب معرفي وديني عند الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الأمر الذي نتج عنه صعوبة في حسن توظيف التعامل مع تلك الوسائل فأصبحنا نرى واقعاً في وسائل التواصل ما كنّا نخشى سابقاً حتى التفكير فيه ناهيك عن القيام به.

إن هذا الاضطراب والذي هو محور هذا المقال جعل الكثير يقفون عاجزين عن التعامل معه رغم المحاولات متعددة الأطراف التي تم القيام بها فمثلاً شهدنا محاولات رسمية يتم العمل بها حالياً إلا أنها أثبتت حاجتها الماسة للتعزيز والتكريس من خلال تطبيق عقوبات أشد صرامة وحدّة حتى تُثبت جدواها ، كما أن هنالك محاولات فردية تحاول القيام بمساندة الدور الرسمي في الرقابة وتحييد خطر وسائل التواصل إلا أنها أيضاً أثبتت عجزها عن تفعيل دورها في مجابهة ذلك الخطر فتسبب هذا القصور المشترك في تفاقم خطر وسائل التواصل واستفحاله على مرأى من الكبير والصغير، خطر أُشبهه أنا بالغزو الذي كان سائد قديماً وأقول غزو لأنه فعلاً كذلك حيث أن هنالك تشابه كبير في الحالتين سواءً من حيث الأسلوب أو من حيث التأثير فالغزو يظهر فيه ارتكاب الغزاة لسلوكيات غاية في السلبية كي يضمنوا نجاح غزوهم في ظل غياب ما يردعهم ويمنعهم من ارتكابه وهذا تماماً ما يحدث مع الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الذين يجدون مساحة لارتكاب موبقات يشعرون بأنها ستمر مرور الكرام وأنهم لن يتعرضوا لعقاب صارم يردعهم ويمنعهم من ارتكابها ونشرها وترويجها.

لقد أصبحت وسائل التواصل منبر تُمارس فيه بعض المحرمات علناً كترويج المخدرات ونشرها وكممارسة بعض السلوكيات الأخلاقية المحرمة شرعاً وعرفاً فنتج عن تلك الممارسات المُجرّمة خطورة بالغة ولو اقتصر خطرها على أصحابها لهان الأمر ؛ ولكن تأثيرها المدمر شمل الكثير من أفراد المجتمع كما شمل الكثير من ركائزه وثوابته حيث كثرت المشاكل الزوجية وارتفعت نسبة الطلاق وانتشرت ممارسة السلوكيات الخاطئة دون أن يتمكن أولياء المتأثرين بهذه الممارسات من تصويبهم وتحييد الخطر الذي يتعرضون له.

إن هذا الحال الذي أتحدث عنه وضعف الدور المجتمعي في تحييد خطر وسائل التواصل وسوء استخدامها يُحتّم على الدولة وهي التي نجحت في علاج سلبيات أخرى أكثر خطورة أن تقوم بدور أكثر فاعلية بحكم أنها في نظر الجميع الوحيدة القادرة على تحييد خطر وسائل التواصل بعد أن فقد الكثير منهم الأمل في قدرتهم على التصدي لآثارها المدمرة أُسرياً وأمنياً ومجتمعياً ما جعلهم يشعرون بالخوف من مآلات هذا الفقد وطبيعة خواتيمه ولا يرون ما يسعفهم على هذا الصعيد سوى التدخل الرسمي الصارم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى