مثلّت الصحافة حتى وقت قريب أحد أهم وسائل التواصل بين الراعي والرعيّة وكانت بمثابة المنبر شبه الوحيد للتعبير عن تطلعات الشعب وإنجازات الدولة وكذلك لمناقشة معاناة الشعب وتطلعاته إضافةً إلى إبراز التنمية ومظاهرها واستمر هذا الدور في الوجود منفرداً حتى قدمت للساحة الإعلامية تقنية حديثة سعت للإطاحة بعرش صاحبة الجلالة ونزع تاجها الألماسي الذي لطالما كان عنواناً لمكانتها وحضوتها، عنوان وفّر لها في حينه سمعة وهيبة وجاه لا شريك لها فيه.
والتقنية في حد ذاتها أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة ومطلب تحرص كل دول العالم على تبنيه والتعامل معه ولكن كما أن للتقنية إيجابيات يشهد بها القاصي والدان إلا أن لها سلبيات لا يمكن تجاهلها وتجاهل تأثيرها وكان من أبرز سلبياتها المجتمعية تحييد دور الصحافة التقليدي والتقليل من تأثيره إلا أن القائمين على دور الصحافة أبوا إلا أن يواجهوا هذا التحدي من خلال مواكبة دور هذا الوافد الجديد بدلا من الانكفاء على ذاتهم والتسليم بعجزهم عن مجاراته.
وتجلّت هذه المواجهة بين الطرفين في تبني الصحف التقليدية وكذلك المستجدة للتقنية بمختلف فروعها من خلال إنشاء مواقع إلكترونية ضمن آليات وسائل التواصل نفسها تواكب الحدث بعد أن قلّ الطلب بشكل دراماتيكي على نسختها الورقية ويشهد الواقع التقني بأن تلك الصحف نجحت إلى حد كبير في هذه المواجهة رغم كل التحديات.
إلا أن هنالك معضلة أخرى تواجهها الصحافة وهو تراجع حب القراءة عند الكثير بحكم انتفاء ذلك الشغف الذي كان سببه الأول الرغبة في الحصول على المعلومة من خلال قراءة ما تحتويه الصحف ولعل السبب الرئيسي في هذا التراجع يظهر في سهولة وصول المعلومة للمستفيد هذا الأيام من خلال لجوءه لوسائل التواصل ولكن ما يجعل دور الصحافة يظل قائماً وفعّالاً يكمن في تميزها بتفصيل في الطرح والتناول على خلاف وسائل التواصل التي تكتفي بالإشارة إلى المعلومة دون الغوص في تفاصيلها ما يحرم المتلقي من حاجته لمعرفة التفاصيل ودقائق الأمور.
وهذا ما يؤكد نجاح الصحافة في منازلة هذا التحدي ومجاراته بل والتفوق عليه في بعض الجوانب ما يجعل استمرارها ضرورة ملّحة ولا يمكن الاستغناء عنه الأمر الذي يجب أن يُشجع مسؤولو الصحف على المضي قُدُماً في نهجهم التطويري لهذه الوسيلة المهمة في حياتنا دون الركون والاطمئنان لوضعها الحالي فالتطوير ومواكبة المستجدات أمر في غاية الأهمية وأمر يجب ألا يتوقف مهما عظمت العراقيل والعقبات التي قد يتعرض لها.
