زمان ومكان الموروث؟
إذا ما نظرنا إلى الموروث وهو جزء من تاريخ وثقافات الشعوب القريبة والبعيدة والمعروفة والمجهولة والتي تشكلت عبر أزمنة طويلة جدا عبر مكونات وحكايات تمازجت لتخرج لنا هذا المزيج العالمي الفريد حتى في الوطن الواحد .
في الرياض مثلاً أنت بحاجة لفهم البناء ولغة الإنسان وصراع البقاء والأرض ومعرفة العرضة التي أصبحت مرتبطة بما ارتبط به الاسم ( السعودية)
كذلك في الغربية بعمارتها ولهجاتها وطريقة اللباس التي كانت ولمازالت مثار الجدل في قصة الهوية الأساسية حول العمامة التي تعلو رأس الحجازي أو رجل الغربية .
الشواهد كثيرة لكن بعيدا عن ماهية المكان وقربي منه فالحديث يأخذني للجزء الجنوبي من هذه البلاد ( عسير – الباحة – نجران -جازان) .
المرور بالمناطق الأربعة لن يكون مختلفا فقط في جغرافيته وحالة الطقس والمناخ واللهجة بل أن الفن الشعبي هو جزء من الموروث وهو ما أود الحديث عنه بتنوعه وحماسته وتفاعل الإنسان معه وطقوسه وإيقاعاته واللباس له واستخداماته يعد موسوعة لشعوب ذات تاريخ وثقافة عالمية ممتدة تستحق التحليل والتمحيص والدراسة لحالة مذهلة جمعها وطن بمؤسساته وهيئاته..
هذه الحالة التي أصبحت مرتبطة بالمكان أكثر من ارتباطها بالإنسان ذاته جعلتني في حالة ذهول أمام هذا المشهد .
فعندما أكون وأنا ابن المجاردة في مناسبة لصديق في نجران مثلاً فبالتأكيد سأكون أمام حالة تعبيرية غير متوافقة لكنها صالحة وآنية لحدث ما ..ربما لن تكون العرضة ولن تكون الخطوة بترانيمها وعاطفتها ولن يكون اللعب الشهري بصوته وراحلته لكنني سأدخل نظرا لاصطفاف الجميع بصوت يتناسب مع المكان ومايفمه إنسانه.
هنا أستطيع القول أن الموروث هو من جعل صوتي وترحيبه واجتماع اللاعبين والجمهور تحت مظلة واحدة ..والعكس إن كان في ضيافتي ..
ربما نحتاج لدراسة هذه الحالة بشكل أكثر عمق وتحليل هذا الارتباط بالمكان والتعايش الآني في موروث آخر وبحب ..القصة ليست الخوف من تصدير ثقافة لا تجد القبول لكنها احترام لموروث الآخر الذي يقدر ما أحمله عندما يحل ضيفاً أو عابرا .
أخيرا :
قصة المسن الذي أيقظ الفن النجراني (السعب) قواه وأعاد الحياة لروحه يجعلنا بحاجة لإعادة ضبط الأرواح على توقيت الموروث وإيقاعاته وربما استعراضه كما يجب .
يؤكد الدكتور قاسم بياتلي في كتابه (مفاهيم وأساليب مسرحية ) على أن (تمثيل دور العجوز يشكل قمة الحقيقة لفننا).