وأنا بالصف الرابع الابتدائي وبعد استلامنا للكتب الجديدة لاحظت جملة صغيرة بطرف الكتاب مكتوب فيها
” يُوزع مجانًا ولا يُباع ” لم أكن أعي المغزى الحقيقي من هذه الجملة إلا عندما كبُرت وعرفت أهمية الكتاب وما يسبقه من اختيار المؤلفين والمنسقين والمدققين والمصممين إلى أن يصل للمطابع ثم بعد ذلك يُقدم هدية للطالب ، وكأن الكتاب يقول : ها أنا بين يديك الآن أحمل معي ما سيحميك من فساد الجهل وأُثري عقلك بكل ما يحتاج ؛ ليُنير بريقه للعالم كله، شعرت بأهمية ما يوجد في الكتب من علم ومعارف وأفكار عظيمة عندما كبرت ، ومن المدهش أن الكتب تُحاور البشر بلغتها الخاصة التي يفهمها الوجدان والمنطق في آنٍ واحد ،لذا تجد في حديث القارئ لغة لا تأتي إلا بعد عدة قراءات مكثفة وعميقة ونقاشات مرتوية بمفرادات أدبية بلاغية حتى يتبين لك سحر أثرها بثقافته وتنشئة عقله الخلاقة، أي أن الكتاب لوحده ليس عدة نصوص وصور ؛ بل نافذة نشاهد من خلالها العالم بأسره، صحيح لم أحظى بفرصة ركوب الطائرة والسفر والترحال ،لكن بفضل ما أملك من كتب سافرتُ بمخيلتي عدة أماكن وتعرفت على ثقافات وتسلّحتُ بمعلومات لم أكن أعرفها ، فما بين الماضي والمستقبل أصبحت رحّالة ،لذا عندما أبدأ بالقراءة يفيض خيالي بعوالم مثيرة مليئة بالحياة والأُنس ولها من الجمال ما يهواه العقل والخيال ، مساحات وآفاق بين السطور التي قرأتها ، نصوصٌ لامست جوارحي وفي نفس اللحظة ضمدت لي جروحي الداخلية ، يصبح في ازدحام الكتب حياة تحمي الإنسان من فراغ الجهل المُميت، تكون الكتب كالقطع الأثرية كلما زاد عمرها ازدادت قيمتها أكثر، ففي العصر الأندلسي احترقت نصف كتب المسلمين من الأعداء بسبب غيرتهم وخوفهم بأن يظهر جيلاً يضاهيهم بالمعرفة والعلوم الجبارة ،وهكذا كانوا العلماء قديماً مُتيمين بحب القراءة، حتى الآن في وقتنا الحالي نجد من كانت القراءة قوته العقلي فازداد فصاحة في لسانه وعذوبة في حديثه، كل هذا بسبب القراءة المستمرة وحصيلته الثريّة من صحبتها التي اكتسب منها الفضائل الحسنة وارتوى من الثقافة والمعرفة الهائلة.
لذا أرى أن القراءة لها فضلٌ عظيمٌ بتحسّن نمط حياتي بأكمله، فبمجرد أن أقرأ كتاباً وأتمعن به حتى تُفتح لي آفاق جديدة تغيرني للأفضل ، حينها يعتبر الكتاب خير جليس وللروح أنيس .
وكما قيل : الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق ولا يحتال لك بكذب.
