كُتاب البوابة

دور العقود في حفظ حقوق الرعاية الرياضية

لم تعد النظرة إلى مجال الرياضة على الحال التقليدي له باعتباره مجالاً ترفيهياً، بل تطورت تلك النظرة لتتخذ طابعاً اقتصادياً أتاح لهذا المجال أن يشارك وبقوة في دعم وتعزيز القطاع الاقتصادي، وذلك بما يدره من دخل هائل باعتباره قد بات من قبل الصناعات التي يتم ضخ مبالغ ضخمة فيها بغرض استثمارها في كافة الأوجه الخاصة بالنشاط الرياضي، ولعل من أهم تلك الأوجه التي أفرزها التعامل مع مجال الرياضة باعتبارها صناعة اقتصادية ما يعرف بالرعاية الرياضية.
وسوف نتناول في هذا المقال وبشكل موجز بيان بماهية الرعاية الرياضية، والدور الذي تؤديه العقود في الحفاظ على الحقوق الخاصة بها، وموقف المنظم السعودي من تنظيم هذه الطائفة من العقود.
أولاً: المقصود بالرعاية الرياضية وعقد الرعاية الرياضية

تتمحور فكرة ومضمون الرعاية الرياضية حول قيام أحد الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين – فرد أو مؤسسة – ويطلق عليه الراعي بتبني عملية دعم لأحد ممارسي النشاط الرياضي فيما يقوم بممارسته من نشاط، وذلك في مقابل ما يتحصل عليه هذا الشخص الداعم من ترويج لنفسه أو نشاطه أو منتجاته بين جماهير من يتم تقديم الدعم إليه والذي يسمى بالمستفيد.
وهو ما حدا بالفقه إلى تعريف الرعاية الرياضية بأكثر من تعريف، أهمها وأبرزها هو تعريفها بأنها دعم الجانب الاقتصادي المقدم من شخص طبيعي أو معنوي لنشاط يمارسه فرد أو مؤسسة رياضية، كما هو الحال في تقديم دعم مالي، أو دعم عيني، أو تقديم أي شكل من أشكال المساعدة المعرفية، ومن الأمثلة على الرعاية الرياضية قيام بعض الشركات الشهيرة بدعم فرق كرة القدم مادياً مقابل أن تضع شعارها أو اسم منتجاتها على قمصان اللاعبين أثناء المباريات.
وقد تعرض المنظم السعودي بالتعريف لمفهوم الرعاية وذلك في نص المادة الأولى من لائحة رعايات الأندية السعودية، وذلك بتعريفه لها بأنها “استثمار النادي بمنح استغلال حق من حقوق الملكية الفكرية المملوكة له أو حقوق الانتفاع الممنوحة له من جهات أخرى بغرض الدعاية للمستثمر أو لمنتج أو خدمة تابعة له، ويكون حق الاستغلال محدد بفترة زمنية معينة مقابل عائد يمكن تحديده مالياً”.
ووفقاً للتعريفات سالفة البيان يمكننا أن نستخلص التعريف بعقد الرعاية الرياضية، وهو تعريف قوامه أنه عقد من العقود الملزمة للجانبين والذي يبرم بين الطرف الراعي الذي يقدم دعمه للطرف الآخر والذي يسمى المستفيد، وذلك بهدف أن يعزز من قدراته على الوصول إلى أهدافه في النشاط الرياضي الذي يمارسه، وذلك في مقابل أن يقوم الطرف المقدم له الدعم بالتعريف بأنشطة الراعي أو منتجاته أو علامته التجارية عند قيامه بممارسة نشاطه الرياضي.

ثانياً: السمات المميزة لعقد الرعاية الرياضية
يتسم عقد الرعاية الرياضية بمجموعة من السمات التي تميزه، ويمكننا أن نوجز تلك السمات في النقاط الآتي بيانها:
– هو عقد من العقود الشكلية التي يلزم لانعقادها أن تفرغ في شكل معين، والدليل على ذلك ما نصت عليه لائحة رعايات الأندية السعودية في مادتها رقم (7/2) من أن (2- يكون التعاقد في الرعايات وفق نموذج العقد في الملحق رقم (1) باللائحة)، وهو ما يستفاد منه أن عقد الرعاية لا ينعقد إلا في الشكل المقرر له قانوناً.
– هو عقد من عقود المعاوضة الملزمة للجانبين، حيث يلتزم كلاً من طرفيه بالتزامات لصالح الطرف الآخر بحيث يكون كلاً منهما دائن ومدين في آن واحد، فالراعي يلتزم بتقديم الدعم للمستفيد أياً كان نوع الدعم المتفق عليه مقابل تسويق منتجه أو علامته، بينما المستفيد من الدعم يلتزم بتسويق منتج أو علامة الراعي مقابل ما يتحصل عليه من دعم.
– هو عقد من العقود الزمنية وذلك لكون المدة المحددة لتنفيذه ذات اعتبار، خاصة وأن معيار الالتزامات التي تلقى على عاتق طرفيه يتمثل في المدة الزمنية التي يسري ويتم تنفيذه خلالها.
– هو عقد من العقود المحددة التي يمكن لكل من طرفيها الوقوف بشكل مسبق على مقدار ما يمنح ومقدار ما يتقاضى، فالراعي يكون على علم بمقدار ما سيمنح من دعم للمستفيد ومقدار ما سيحصل عليه من ترويج لقاء هذا الدعم، والعكس صحيح بالنسبة للمستفيد.
– دائما ً ما يكون أحد طرفي هذا العقد – على الأقل – هو شخص رياضي أو مؤسسة رياضية، ويكون في الغالب هو الطرف المستفيد، فهو إما يكون لاعب رياضي أو ناد رياضي.

ثالثاً: أهمية عقد الرعاية الرياضية
يعد العقد هو الوسيلة والأداة التي يتم استخدامها في تنظيم العلاقة بين الراعي والمستفيد باعتبارهما طرفي علاقة الرعاية الرياضية، فهو يكون بمثابة القانون المنظم والحاكم لتلك العلاقة، بحيث يشتمل على كافة التفصيلات والضوابط الخاصة بالتزامات وحقوق طرفيه، فتعد من أهم الحقوق التي ينظمها ويراعيها عقد الرعاية الرياضية ما يلي:
أ- تحديد التزامات وحقوق طرفي العقد (الراعي والمستفيد)
يحافظ عقد الرعاية الرياضية على حقوق طرفيه عن طريق تحديد الالتزامات التي تقع على عاتق كلاً من طرفيه، لاسيما وأن الالتزامات التي يتحمل بها كل طرف تعد بمثابة حقوق للطرف الآخر، فمن ناحية يحدد عقد الرعاية الرياضية معالم وضوابط التزامات الراعي والتي تتمثل أهمها وأبرزها في تحديد الدعم المقدم من الراعي للمستفيد نوعاً وكماً، فهو يحدد على سبيل المثال قيمة ما يقدمه من أجور، ومكافآت، وغيرها من التقديمات النقدية التي يتحصل عليها المستفيد، ويحدد ما إذا كانت التزامات الراعي النقدية هي التزامات دورية تسدد على مراحل أو تسدد دفعة واحدة، وتحديد التقديمات العينية التي يقدمها الراعي للمستفيد سواء كانت معدات رياضية أو لوازم متنوعة من ملابس وأحذية أو آلات ومعدات للتدريب أو غيرها من مستلزمات إعداد المستفيد لخوض المنافسات الرياضية، وبيان بالمواعيد التي يلتزم الراعي بتنفيذ التزاماته المادية والعينية فيها، بحيث يمكن تحديد مدى التزامه بأداء تلك الالتزامات وفقاً لمواعيدها، كما يمثل العقد مرجع رئيسي لمعرفة كافة التزامات الراعي بوجه عام، حيث أن التزامات الراعي تجاه المستفيد تختلف من عقد رعاية إلى آخر باختلاف طبيعة النشاط الرياضي الذي يمارسه المستفيد، وباختلاف ما يتم الاتفاق عليه فيما بينهما من تفصيلات.
ومن ناحية أخرى فإن العقد يحدد التزامات المستفيد تجاه الراعي والتي يمكن أن نذكر أهمها وأبرزها في أن يحقق المستفيد الترويج المتفق عليه لصالح الراعي في كافة المنافسات الرياضية التي يشارك فيها، سواء كان ذلك في شكل لوجو على ملابسه الرياضية، أو وضع لافتات إعلانية تخص الراعي في الملاعب التي يمارس فيها نشاطه الرياضي، وأن يحافظ المستفيد على صورته الإيجابية في نظر جماهيره حتى يكون الترويج للراعي هو ترويج إيجابي.
وبوجه عام فإن حقوق الراعي والمستفيد لا يمكن تحديدها وبيان ما إذا كان أياً منهما قد خالفها من عدمه إلا عن طريق الرجوع إلى المرجع الرئيسي لها وهو عقد الرعاية، لاسيما وأن الإخلال بتلك الحقوق والالتزامات يكون موجباً للفسخ.
ب- تحديد مدة سريان العقد
تعد مدة العقد هي عنصر رئيسي في عقود الرعاية الرياضية، فكما سبق وأن أوضحنا تعد المدة الزمنية المحددة لسريان العقد عنصر أساسي في تنفيذه، لذلك يكون العقد هو المحدد الرئيسي والأساسي لمدة سريانه، وبالتالي يحدد متى يكون كل من الطرفين ملتزماً بالتزاماته التعاقدية ومتى يتحلل منها بانتهاء مدته.
ج- تحديد القيود الواردة على كل من الطرفين
يحفظ عقد الرعاية حقوق كلاً من طرفيه في مواجهة الطرف الآخر حال مخالفته للقيود الواردة عليه في العقد، فعقد الرعاية يتضمن قيوداً خاصة على كل من طرفيه والتي منها على سبيل المثال الحافظ على سرية ما يطلع عليه كل منهما من أسرار تخص الطرف الآخر، وعدم القيام بأي تصرف من أحدهما يكون فيه ضرر على الطرف الآخر، كما قد يرد بالعقد حظراً على أياً من طرفيه بعدم التعاقد مع آخر في ذات النشاط إلا بموافقة الطرف الآخر، وغيرها من القيود الخاصة التي لا يكون هناك مجالاً لمعرفتها إلا إذا كانت واردة بالعقد.

الخاتمة
من خلال ما تعرضنا إليه في سياق هذا المقال يتبين لنا أهمية الدور الذي يلعبه عقد الرعاية الرياضية في المحافظة على حقوق كلاً من طرفيه، ولعل ذلك هو ما حدا بالمنظم السعودي ليكون سباقاً في مجال تأطير هذا العقد تشريعياً في سياق لائحة رعايات الأندية، والتي وضعت الأسس والدعائم التي يمكن عن طريقها إبرام عقد رعاية يضمن لكل من طرفيه حقوقهما تجاه الطرف الآخر في العقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى