الضباب الرشيد ونواة الزهاوي

في العام 1916م افتتح خليل باشا (الوالي العثماني ) شارع الرشيد في بغداد ، وهذا الشارع العتيق الذي تختزل ذاكرته تاريخ بغداد السياسي والثقافي والفني على مدى قرن من الزمان لم يحظى بتسميته الحديثة إلا في عام 1936 م ، ويقال أن تسميته جاءت تيمناً بالعصر الذهبي للخليفة الرشيد ، وفي شارع الرشيد هذا مسارح ومقاهي وملاهي مر بها معروف الرصافي وشهدت محاولات اغتيال حربية وفيها غنت أم كلثوم للسلام .
لاأعرف إلى أي مدى يمكنك أن تتخيل كل هذا في شارع تمر به فيأخذك كل مافيه إلى كل مامر به . وفيه غنوا:
(يقولون ليلى في العراق مريضةً
فيا ليتني كنت الطبيب المداوي )
من الروائع التي خلدها فن الرشيد في زمن العراق . مايهمنا في هذا الشارع التاريخي هي المقاهي الأدبية التي كانت تتنافس في زوايا الرشيد على جذب اهتمام روادها وإشعال فتيل النقاشات الثقافية والأدبية والسياسية أحيانا.
مقهى الزهاوي هذا ( مقهى أمين ) كان ساحة صراع مثقفة بين الزهاوي ( جميل الزهاوي ) من جهة و( معروف الرصافي ) في الجهة المقابلة ، كذلك كانت تشهد رد الزهاوي هذا على العقاد في كثير من أطروحاته ومقالاته.
وفيه كتب طاغور الهندي :
أيها الرحالة, أينبغي أن ترحل؟ الليل ساج, والظلمة تمشي فوق الغابة المصابيح تشع في شرفتــنا والزهر كله ترقرق رياناً وغضـاً والعيون الفتية تـسـتيقظ هادئـة هـــــل حان وقت الظعــــــــــن؟
كنت قد سمعت كثيراً بهذا الرشيد وقرأت أكثر لكن الأجمل أن أرى الرشيد في الضباب والزهاوي في نواة .
لست مبالغاً في هذا ولست معلناً لمقهى ليس بحاجة لإعلان مثلي لكنها الحقيقة .
في أبها تحديداً لن تمر أبها دون الضباب ودون قهوة وعند سؤالك ستسمع كثيراً ( نواة ) فعند قدومك إليه لن تجده فارغاً ( كتب ونقاشات وربما تلتقيك أمسية أو دورة تدريبية في الداخل أو تدشين كتاب وربما دعم صوت وإقامة مبادرة )
كل هذا وأكثر وأنت لم تأخذ قهوتك بعد .. كوب القهوة الذي سيجبرك على اختيار مقعدك سيجعلك في حيرة ( الجالس بجانبك صحفي وأمامك محاضر ولوحة عن كتاب وإعلان لجلسة حوارية في ذات الليلة )
من يحرك كل هذا ؟ لن تستغرب كل هذا وأنت تغادر .
ستلتقيك عبارتين تخبرك أن نواة هذا ليس مجرد مكان لقهوة مختصة بل ( الشريك الأدبي ) الذي يتساءل دائما :
أين الأديب في عسير ؟

أخيراً :
نواة هو نواة لحكاية ثقافية وأدبية كبيرة تستحق أن تروى كما يروى زهاوي الرشيد

Exit mobile version