كُتاب البوابة

“ثلاثة أوراق مُزقت”

كتبت لكم بعد قيامي بتمزيق ثلاث أوراق خُطت بقلمي، والسبب يعود لمشاهدتي صورتين بعدسة المصور السعودي عيسى الدبيسي التي التقطها خلال مشاركته في تغطية بطولة كأس الخليج العربي المنظمة في البصرة العراقية حاليًا.
الدبيسي موفد صحيفة الرياضية في بلاد الرافدين لم يُقفل زر كاميرته عند صافرة حكم المباراة معلنًا نهاية اللقاء الذي كُلف في تغطيته ؛ بل تجوّل في أنحاء التاريخ، فإذا ذُكر اسم العراق تتباهى الكاميرا ويخشى القلم أن يُسيء ولو عن طريق الخطأ في حق أرض احتضنت الكثير والكثير من الأحداث الحضارية، والتاريخية، وحتى المأساوية، بل كانت أرض الرافدين سنام العلم والثقافة والأدب في شتى المجالات ،فبين أروقة شوارعها أُنشئت المدارس النحوية ، وامتلأت المكتبات بالمؤلفات المخطوطة بأيادي علماءها ومفكريها .
إن للصورة تأثير ووقع على النفس ، فهذه الصورتين أبحرت بخيالي بعيدًا واستوقفت مشاعري برهة، صورتان لا يمكن أن تمرّ دون توثيق عبر وسيلة تحفظها لزمن طويل، فالأولى تجلّت في رجلين طاعنين في السن ،شاهدا مجد العراق، وعاشا نعيمه ،ولعقا خيبة السقوط، وقاوما مراحل نهوضه الحالية، وعاشا السراء والضراء معًا ؛ فهما لا يخشانِ شيئاً ويتجولان في شوارعه الهرمة بلا خوف، أما الثانية لطفلين يختبئان وراء باب منزلهما المتهالك ، والاستغراب يملأ عينيهما البريئة، لا يعلمان ماذا يُريد هذا الرجل الموجه كاميرته عليهما ، ولماذا هو هُنا، وكم من الأعوام مضت ليتمكن من أخذ هذه الصورة، لا أعلم كيف كانت مشاعرهما حينها، ولكني أجزم بأنهما لم يُشاهدا العراق بعد، ومعرفتهما في وطنهما تُجسد بكونه مصدر خوف عليهما، فهما لم يشاهدا وقت “عزك يا عراق ” خُلقا على أصوات مدافع حربه، ونزاعات أبنائه بين بعضهم البعض ، لذا هما مختبئان من الرجل الغريب، والذي استطاع بهذه الصورتين أن ينقل من شاهدهم إلى محطات عدة، وقصص لا تنتهي، تعيش وتُردد على مسامعنا كل عام، بل ويتم الاستشهاد بها كثيرًا.
لا أتذكر أنني تخلصتُ من ورقة استخدمتها في كتابة مقالاتي قط، بل كنت أحتفظ بكل شيء في طور الإنشاء، لأُشاهد الفروقات فيما بعد بين مرحلة البداية، والاسترسال، وحتى النهاية، لا أُخفيكم أنني لا أريد أن أُمزق هذه الورقة أيضًا، حفاظًا على البيئة ومكتبي، لذا ستتوقف مشاعري تجاه الصورتين هُنا.
أؤمن كثيرًا بأن الصورة الواحدة في مقدورها إيصال مئات الرسائل، وأجزم بقوة أنهم قلة من يعون هذا، سأرفق لكم الصورتين التي رأيتهما، ولكي أرد جميل حبر قلمي الذي أنهكته اليوم، سأذكر عناوين تلك الأوراق الثلاثة.

“ما ذنبهم .. يا عراق”
“العراق في صورتين”
“سيف الخائن .. وشهامة الفهد”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى