كُتاب البوابة

مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة

‎تعتبر المعرفة من أهم عوامل التنمية البشرية المستدامة ، لذا يتطلب من أفراد المجتمع بكل فئاته الاندماج في عمليات نقل المعرفة وتوظيفها وإنتاجها ، إذ إن الدولة التي تقوم على إدارة معارفها تبني أجيال من المواطنين لديهم قدرات قادرة على التعامل مع ركائز اقتصاد المعرفة الأساسية في التعليم والابتكار والإبداع والاندماج مع التقنية والاتصالات، فيعتبر الأساس للتقدم المعرفي والازدهار في اقتصاد المعرفة هم أفراد المجتمع إذا ما جهزوا وتم بناؤهم بقدرات عالية ، حيث أصبح معيار تحقيق نمو اقتصادي مستدام يتمثل في قدرة المجتمع على إنتاج المعرفة واختيارها وتكييفها والاتجار بها واستعماله. ومن هنا نجد اهتمام المملكة العربية السعودية واضحاً وجليا عند صدور أمر المقام السامي رقم 546 بتاريخ 1/2/1433هـ بتشكيل لجنة برئاسة وزير الاقتصاد والتخطيط مهمتها الخروج باستراتيجية وطنية شاملة وعملية، للتحول إلى مجتمع المعرفة مدعومة ببرامج تنفيذية وزمنية محددة التكلفة.
ولعلي أبدأ مقالي هذا بأهمية توفير المعلومة للجميع استنادا إلى مقولة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة خاصة لقناة “العربية” أجراها الإعلامي تركي الدخيل حيث قال سموه “نحن اليوم في مجتمع من الصعب أن تكون غير شفاف معه وصعب أن تخفي سرا عنه في العصر الحديث، فمهم جدا توفير المعلومة للجميع” ونجد من المقولة هذه توجه الدولة نحو إتاحة المعلومات للجميع كونه أمراً أساسياً لبناء السلام والتنمية الاقتصادية المستدامة والحوار بين الثقافات. ولذلك، أكد ولي العهد حفظه الله على تعزيز “الانفتاح” في المحتوى والتقنية والعمليات من خلال نشر ومشاركة وتبادل وجمع المعلومات.
وبذلك تستند هذه المقولة على الشفافية في توفير المعلومات لبناء مجتمع المعرفة من خلال الاعتماد على خلق المعرفة من هذه المعلومات بالإبداع والابتكار وتسخيرها بالتقنية لرفع قيمة المجتمع والاقتصاد.
‎ومن هنا توجب علينا أن نوضح ما هو المقصود بمجتمع المعرفة، فوفق ما ورد في تقرير التنمية البشرية 2003 بأنه ذلك المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي، متمثلة في الاقتصاد، والمجتمع المدني، والسياسة والحياة الخاصة، سعيا للارتقاء بالمجتمع، من خلال عمليات التنمية الإنسانية المختلفة والتي توصلنا إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وفيما يلي سنتطرق إلى مفهوم مجتمع المعرفة وأهميته وأهدافه ومتطلباته وما هي أبرز خصائصه ومميزاته وأخيرا سنذكر علاقة رؤية المملكة 2030 بمجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة.
كما نعلم أن مصطلح المجتمع المعرفي نشأ منذ فترة وأصبح يتداول بشكل كبير في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والتطورات المستقبلية وفي المجتمعات الدولية وكيف تسعى إلى تحقيق هذا المجتمع والوصول إلى النهوض المعرفي. ولا شك في أن المصطلح متداول منذ فترة وله عدة مصطلحات متقاربة منها المجتمع المعرفي والاقتصاد القائم على المعرفة والاقتصاد المعرفي وإذا أردنا تعريفه فإن باستطاعتنا القول إن المجتمع المعرفي كما عرفت تقريرُ التنميةِ البشريةِ العربيةْ لسنة 2003م هو المجتمع القادر على توليد وإنتاج المعرفة وإتاحتها لا فرادة وتوظيفها في جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بما فيها الاقتصاد وصولاً لتنميةٍ إنسانيةٍ شاملة.
أما بالنسبة لليونسكو، فقد أقرت في تقريرها لعام 2005 “نحو مجتمعات المعرفة” بأن مفهوم مجتمعات المعرفة يشمل أبعادًا اجتماعية وأخلاقية وسياسية بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية، لذلك يجب الحرص على عدم الخلط بين مجتمعات المعرفة واقتصادات المعرفة مما لا شك فيه أن التناقض المتأصل بين مفهوم مجتمع المعرفة ومفهوم اقتصاد المعرفة يختلف من دولة إلى أخرى، لكنه واضح جدًا في الدول الأقل نموًا وأثر بشكل كبير على تنمية هذه البلدان. يتطلب بناء اقتصاد معرفي فريد تكثيف المعرفة والتركيز عليها عند التوظيف وبين الموظفين، على عكس الاقتصادات الصناعية التقليدية التي تتطلب التركيز على عدد العمالة. لذلك، يسعى اقتصاد المعرفة إلى جذب جزء من المجتمع بالوسائل المعرفية والمهارات لرفع دخل ذلك الجزء من المجتمع ليقترب من مستويات الأجور العالمية دون باقي المجتمع بالاعتماد على المعارف، ومن ذلك نجد أنه لا بد أن تحرص المؤسسات المحلية على الحفاظ على هذه السياسة والحفاظ على معارفها لتلافي ما يسمى بهجرة العقول والقدرات.
‎وبهدف مجتمع المعرفة إلى الهام وتمكين الأفراد من تطوير قدراتهم إلى أعلى مستوى ممكن طوال حياتهم، حتى يتمكنوا من النمو فكريا، وأن يكونوا مجهزين بشكل جيد للعمل، وأن يساهموا بفعالية في المجتمع، وأن يتمتعوا بتحقيق الذات النشطة. كما أنه يعمل على زيادة المعرفة والفهم لتطبيقها على المستوى المحلي والإقليمي والوطني لتشكيل مجتمع ديمقراطي ومتحضر وفكري يساعدهم على التشجيع لتبادل الأفكار من أجل تنمية مجتمع المعرفة ودمج الأنشطة المشتركة المكرسة لتطوير نظم دعم الحياة في المستقبل.
وتكمن أهمية مجتمع المعرفة في كونه نموذجا للتنمية في المستقبل ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية المستدامة التي تؤدي إلى التماسك الاجتماعي، والقدرة التنافسية والاستقرار الاقتصادي، واستخدام الموارد والتنمية الاقتصادية.
‎ويتميز مجتمع المعرفة بإنتاج المعرفة وليس استهلاكها، وتوافر مستوى عالي من التعلم والنمو المستمر، أيضا يتميز بتوافر مراكز البحوث والتطوير والعمل على ردفها بالأفراد المؤهلين والمعدات اللازمة وتطويرها باستمرار ولا بد على مجتمع المعرفة أن تركز على تشجيع الاختراع والابتكار في جميع المجالات وتقوية البيئة الاجتماعية والاقتصادية الحاضنة للإنتاج المعرفي، ويتميز يتميز مجتمع المعرفة أيضا بما يسمى بالتشبيك الإلكتروني وبناء قواعد ضخمة للبيانات تساعد على حفظ وخزن المعارف وتبادلها.
ويعتمد مجتمع المعرفة على القدرات الذهنية والفكرية أكثر من المُدخلات المادية أو الموارد الطبيعية، حيث يصير العائد الاقتصادي لإنتاج البرمجيات مثلا أكبر بكثير من عائد إنتاج المُعِدَّات والأجهزة.
وعند الحديث عن خصائص مجتمع المعرفة نجد بأن معلوماته تراكمية وغير قابلة للاستهلاك أو التحول أو التفتت وأن سر الواقع الاجتماعي العميق لتقنية المعلومات هو أنها تقوم على أساس التركيز على العمل الذهني ، وتعميقه من خلال إبداع المعرفة ، وحل المشكلات وتنمية الفرص المتعددة أمام الإنسان.
ويتميز مجتمع المعرفة بوجود منظمات التعلم وهي منظمات متخصصة، ينتمي إليها عمال المعرفة، وهي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يتعاملون مع بعضهم ومع العامل المحيط بهم، ويعملون كفريق ضمن مؤسسة يشعرون بالانتماء إليها، وفيها يتاح لهم الفرص لاكتشاف المعرفة وإنتاجها وتطبيقها
ويتصف مجتمع المعرفة بأنه منتج للمعرفة ومستخدما لها ولا يمكن إنتاج معرفة واستخدامها دون استقصاء وبحث إجرائي لذلك فالمؤسسات في مجتمع المعرفة توفر لمنتسبيها الفرص المناسبة لدراسة المشكلات والتحديات التي تواجههم، وتوفر لهم الفرص لتوظيف البحث الإجرائي، وتعمل على تطوير إدارات البحوث التابعة لها.
ويتميز مجتمع المعرفة بالتطوير المستمر للمعرفة من خلال التعليم المستمر حيث يطلب من عمال المعرفة (المهنيين) تطوير معارفهم باستمرار، لمواجهة التطور الكبير الذي يحدث في المهن المختلفة، ومن ثم تبرز الحاجة إلى تطوير برامج التعليم المستمر في مجتمع المعرفة.
وللوصول إلى مجتمع معرفة متكامل يتطلب إلى وجود قيادة إدارية فعالة تتولى وضع الأسس والبنود وتوفير متطلبات التنفيذ للخطط والبرامج وصيغة الأهداف والغايات التي تسعى المنظمة على تحقيقها. أيضا من متطلبات مجتمع المعرفة هو تمكين الأفراد وإتاحة الفرص لهم للمشاركة في ظل هيكل تنظيمي مرن يساعدهم على إطلاق طاقاتهم الإبداعية وقدراتهم الفكرية والخبرات والمعارف بأفضل النتائج ، ولا بد لنا أن ننسى المتطلب المهم لبناء مجتمع المعرفة وهو بناء استراتيجي متكامل من رسالة ورؤية مستقبلية وتصورات الإدارة والأهداف الاستراتيجية والآلية لإعداد الخطة ومتابعتها وقياسها وتقييمها ’ حيث إنه لا بد من تعميق المعرفة لدى الأفراد لخلق الرؤى الفعالة في العمليات الإدارية ، أيضا يجب أن يتم إعادة لتركيب الموارد البشرية وتعديل هيكل القوة العاملة من خلال دعمهم ببرامج التدريب وتعديل نظن الرواتب والحوافز وتعديل الترقية وأخيرا نجد أن لإعادة هيكلة هندسة العمليات دوراً مهماً لإنشاء مجتمع المعرفة حيث إنه يساعد على إعادة تصميم سلسلة القيم وتعميق استخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات لتحسين كفاءة المنظمات وتحقيق التواصل الفعال بين الأفراد والجماعات العاملين في المنظمة.
‎وأخيرا سنذكر علاقة رؤية المملكة 2030 بمجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة ونجد أن بلادنا العزيزة تحرص على التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة ومجتمع معرفة ويبرز ذلك من خلال خطة التنمية العاشرة التي تنطلق من التوجيه السامي بأعداد استراتيجية للتحول إلى مجتمع معرفة حيث تنطلق الاستراتيجية الوطنية لبناء مجتمع المعرفة بما فيه الاقتصاد القائم على المعرفة من الرؤية التالية
“بحلول عام 2030م، تصبح المملكُة مجتمعاً معرفياً في ظل اقتصاد قائم على المعرفة مزدهٍر متنوع المصادر والإمكانات، تقوده القدرات البشرية المنتجة والقطاعُ الخاص، ويوفر مستوى معيشياً مرتفعاً، ونوعية حياة كريمة، وتتبوأ مكانة مرموقة، كدولة رائدة إقليمي ودولي”
فكما ذكرنا سابقا أنه تم إصدار أمر للمقام السامي رقم 546 وتاريخ 1/2/1433هـ بتشكيل لجنة برئاسة معالي وزير الاقتصاد والتخطيط وعضوية كل من معالي رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وخمسة من مديري الجامعات في المملكة يختارهم معالي وزير التعليم العالي، ومعالي مساعد وزير التربية والتعليم، للخروج بــــ  (استراتيجية وطنية شاملة وعملية، للتحول إلى مجتمع المعرفة مدعومة ببرامج تنفيذية وزمنية محددة التكلفة)
وبناء على توصية اللجنة الإشرافية  اتفقت وزارة الاقتصاد والتخطيط مع “معهد التنمية الكوري” على التعاون للاضطلاع بتنفيذ هذا المشروع، الذي يستهدف تعزيز تحول المملكة إلى مجتمع المعرفة وبناء اقتصاد قائم على المعرفة. وقد انتقيت الجهة الكورية نظراً للنجاح الباهر الذي حققته كوريا على صعيد التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، كما أنها الدولة الأولى في العالم التي قامت بإنشاء وزارة للاقتصاد القائم على المعرفة. كما أن المعهد الكوري للتنمية مشهود له عالمياً بنجاحه في التخطيط لبناء مجتمع المعرفة.
لأنها بنيت على ما هو قائم من استراتيجيات وسياسات وخطط معتمدة رسمياً مثل “السياسة الوطنية للعلوم والتقنية”، و “الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات”، و”الاستراتيجية الوطنية للصناعة”، و”الخطة المستقبلية للتعليم الجامعي – آفاق”، و”استراتيجية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار 1444هـ”، و”الاستراتيجية الوطنية للنقل” وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى