كُتاب البوابة

الفخ الأسود

«آندي ورهول» رسام أمريكي في أواخر ستينيات القرن الماضي تنبأ بظهور وسيط إعلامي في المستقبل، يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وأطلق في إحدى مقابلاته مقولته: «في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرةً عالمية خلال 15 دقيقة فقط».
واليوم ها هي برامج التواصل الاجتماعي تعطي هذه المقولة حقها ليصل ما يكتبه الشخص في أقصى الشمال من الكرة الأرضية إلى أدنى الجنوب قبل أن ترف عينيّ الكاتب، هذا التطور الإعلامي الهائل أفسح المجال للكثير من الاستخدام السلبي لهذه التقنية فصار هنالك تكدس للمسميات المشهورة تحت مسمى “إعلاميين صانعي محتوى” ممن أحدثوا تخمةً في وسائل التواصل الاجتماعي بين قلةٍ يقدمون محتوى علمياً معرفياً وآخرين يتفننون بالمحتوى الفارغ، فشعار مرحلة السنتين السابقة والخمسُ القادمة (أننا في أيام أصبح فيها السفهاء معروفين والعلماء مغمورين)، فالعابر لتطبيق سناب شات يمكنه ملاحظة الصراع الدائم والمنافسة القائمة بين المشاهير ليحصدوا أكبر عدد من المشاهدات، فهذا يصور أدق تفاصيل يومه، ويفتي بغير علم في كافة الموضوعات ليحصد ملايين المشاهدات والآخر يفخر بمحتوى ينتهك حقوق أطفاله به، فيقدمه وتجد من يوصي بمتابعته ودعمه كل هذا فأكثر ليصلوا لمرحلة يمكن من خلالها التربح الإعلاني حتى ولو كان ذلك جرمًا بحق أنفسهم وأطفالهم!
من الواضح إلى هنا أن الإنسان مجبولٌ على حُب الشهرة، والإشارة إليه بالبنان في كل مكان، لكنها إن توفرت لديه من دون ثقافة قيّمة ومعرفة جيّدة وأخلاق رفيعة، تكون شهرته نقمة لا نعمة! فهو من الممكن أن تصبح مشهوراً بلا شهادات أكاديمية، أو مثيراً للجدل والسّخرية، ولديك مئات الألوف من المتابعين، لكن أن تكون مؤثراً إيجابياً ذا قيمة إنسانية مُعتبرة، فهو أمرٌ مختلفٌ!. ومن أجل الشُّهرة والصّيت، يلجأُ بعضهم إلى تقمّص شخصيّات ليست لهم، وارتداء ثيابٍ اجتماعيّة ليست على مقاسهم، فيظهرون بمظهر المُهرّج في أفلام الكرتون ظنًا منهم أنهم على نهج صحيح، كما يُلفتنا الشيخ (علي الطنطاوي) إلى خطورة هوس الشهرة بقوله: «إنّي لأعجب ممن يسعى للشهرة، ويراها شيئاً جميلاً. ما الشُّهرة؟. هي أن تفتح عليك الأعين كلّها، ويُراقبك الناس جميعاً، فتفقد بذلك حريتك».
وبجهودٍ عظيمة سخرتها المملكة بحق كل من يتلبس لباس الشهرة بتعاون من جهة وزارة التجارة فيما يخص الإعلانات الربحية، ومن جهة هيئة الإعلام المرئي والمسموع فُرضت قيود تضبط وتحكم كل من يجازف بنفسه إلى مجرى سيول شهرة وسائل التواصل الاجتماعي لتردعهم وتحمي الإعلام الجديد من الآفات التي تشكل ضررًا يطول ولا يزول بحق المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى