خطيب المسجد النبوي: إن القلب ليعتصر ألماً وحسرة لما حل بأهلنا في غزة من كربة ونكبة والظلم لا يدوم ولا يطول وسيضمحل ويزول
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله: الزمان صروف تجول ومصائب تصول سلم وحرب، وأجاج وعذب، ورخاء وجدب والمؤمن مهما تفاقمت الشرور والبلايا وحلت المحن والرزايا فإنه يعلم أنه لا راد للقضاء المسطور ولا مانع للقدر المقدور ما قضي كائن، وما قدر واجب، وما سُطر منتظر، ومهما يشأ الله يكن، وما يحكم به الله يحق، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء ربنا صنع، فلا جزع ولا هلع، وإنما صبر ومصابرة، وتفاؤل بأن النصر والظفر لأهل الإسلام والإيمان والذل والصغار والخسار لأهل الظلم والعدوان والطغيان، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وأكمل: أيها المسلمون: إن القلب ليعتصر ألماً وحسرة لما حل بأهلنا في غزة من كربة ونكبة، لقد بلغ السيل زباه، والكيد مداه، والظلم منتهاه، والظلم لا يدوم ولا يطول، وسيضمحل ويزول، والدهر ذو صرف يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
وأضاف فضيلته: أيها المسلمون: كم شحن الظالمون المعتدون من الشوكة الرادعة والشكة القاطعة والقوة الجامعة لكنهم غفلوا عما أجراه الله لعباده المظلومين من منح الصبر وعوائد النصر ومهما بلغت قوة الظلوم وضعف المظلوم فإن الظالم مقهور مخذول، مصفد مغلول، وأقرب الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحي القيوم فوق الغيوم فعن أي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابَ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حين). فسبحان من سمع أنين المضطهد المهموم، وسمع نداء المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكاناً، ودمغ الظالم فعاد بعد العز مهاناً.
وبين فضيلة الشيخ البدير بأن الظالم الجائر سيظل محاطاً بكل مشاعر الكراهية والعداء والحقد والبغضاء، لا يعيش في أمان، ولا ينعم بسلام، حياته في قلق، وعيشه في أخطار وأرق مهما تدرع
بالأكاذيب وتلبس بالمكر وتظاهر بأنه المظلوم المهضوم المعتدى عليه لأن الظلم جالب الإحن ومسبب المحن، والجور مسلبة للنعم مجلبة للنقم.
وأوضح فضيلته: قد ينعم الله على الكافر نعم نفع أو نعم دفع او نعم رفع، ولكنه استدراج وإملاء في صورة إنعام وإعطاء، قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)؛ وقال تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)؛ وقال سبحانه: (أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ).
إنه إغناء مشوب بالمصائب والأرزاء، منغص بالأمراض واللأواء، مكدر بالخوف والرعب وعدم الهناء، لا يغرنك ما هم فيه من الاستعداد والإمداد، لا يغرك ما هم فيه من التعالي والاستبداد، لا يغرنك ما يملكون من القوة والعدة والعتاد، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أقوى ظهير وأوف نصير، كل أمر عليه يسير، وكل شيء إليه فقير، والأمور إليه تصير، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه ما وقع على أهل الإسلام من الظلم الكثير والجور الكبير، وإن الله على نصرهم لقدير؛ وللدهر طعمان حلو ومر، وللأيام صرفان عسر ويسر، وكل شدة فإلى رخاء، وكل غمرة فإلى انجلاء، وإن بعد الكدر صفواً، وبعد المطر صحواً، والشمس تغيب ثم تشرق، والروض يذبل ثم يورق، ولله أيام تنتصر من الباغي وتنتقم من العاتي.