تعد محافظة تربة من المناطق الغنية بالتراث الثقافي والتاريخي، حيث تحتضن العديد من المواقع الأثرية التي تعكس تاريخها العريق. إن استدامة هذا التراث والحفاظ عليه للأجيال القادمة يعد تحديًا كبيرًا، خصوصًا في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها المجتمعات. بناءً على أحدى النماذج البحثية العالمية (دانييلا أنجلينا جيلينتشيتش وسانجا تيشما، 2022)، تُعد سياسات التراث الفعّالة أساسًا لضمان استدامة التراث الثقافي.
أوضحت الأبحاث العلمية أن استدامة التراث الثقافي تتطلب تطبيق سياسات عامة متكاملة تضمن التعاون بين الجهات المعنية من الادارات الحكومات والمجتمعات. في تربة، يمكن تطوير سياسات تعزز من دور المجتمع المحلي في حماية التراث من خلال المشاركة الفعّالة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمواقع التاريخية مثل جبل حضن، ووادي تربة وحي منيف التاريخي، وقصر شنقل، والقرى الأثرية في ضاحية العلاوة، ووادي كرا، وقصور بن محي وغيرها.
أشارت بعض الدراسات التي أجريت في دول أوروبية إلى أهمية وجود مؤشرات لقياس مدى استدامة مشاريع التراث. في تربة، يمكن تطبيق هذا النموذج من خلال تطوير مؤشرات خاصة بتقييم فعالية المشاريع التراثية، مثل عدد السياح المستهدفين والمتوقعين، ومستوى الوعي الثقافي لدى المجتمع المحلي، والاستثمار في الحفاظ على المواقع التراثية.
من بين العوامل الحاسمة التي حددتها الأبحاث، تكمن أهمية إشراك المجتمع في الحفاظ على التراث الثقافي. في محافظة تربة، يمكن أن يلعب المجتمع المحلي دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التراث من خلال تنظيم فعاليات تهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي، وتشجيع الشباب على الانخراط في مبادرات الحفاظ على المواقع التاريخية.
يعتبر تنويع مصادر التمويل أمرًا ضروريًا لضمان استدامة مشاريع التراث. في هذا السياق، “يعتبر الاستثمار في التراث الثقافي ركيزة أساسية لتعزيز السياحة والتنمية الاقتصادية. وقد أظهرت الأبحاث أن الاستثمارات المدروسة في مشاريع التراث الثقافي يمكن أن تخلق فرص عمل محلية، وتزيد من الوعي الثقافي، وتسهم في تعزيز هوية المجتمع” (دانييلا أنجلينا جيلينتشيتش وسانجا تيشما، 2022). في تربة، يمكن أن تستفيد المحافظة من الشراكات مع القطاع الخاص والمستثمرين، بالإضافة إلى الاستفادة من البرامج الحكومية الداعمة للسياحة الثقافية والتراثية، وعلى رأسها “رؤية 2030” التي من أهم أهدافها تعزيز السياحة في المملكة.
رغم الفرص الكبيرة المتاحة لتنمية السياحة الثقافية في تربة، هناك تحديات كبيرة تتمثل في نقص التمويل وغياب البنية التحتية السياحية الكافية. لهذا، يتطلب الأمر وضع خطط استراتيجية تركز على تطوير المرافق السياحية، وتحسين الطرق التي تصل إلى المواقع الأثرية.
من خلال السياسات العامة الفعّالة التي تضمن التعاون بين جميع الأطراف المعنية، وإشراك المجتمع المحلي، وتنويع مصادر التمويل، يمكن لمحافظة تربة أن تواكب توجهات الدولة التنموية وتحقق استدامة واستثماراً فعّالاً لتراثها الثقافي الغني.