ما أغلى من الولد إلا ولد الولد
أن تصبح جدًا هو من أعظم التحولات في حياة الإنسان، خاصة عندما يتجاوز المرء الخمسين عامًا ويصل إلى تلك المرحلة التي تكتمل فيها خبرات الحياة وتستقر فيها معانيها. فاليوم الذي رزق فيه ابني البكر، المنذر، بمولودته البكر التي سماها “سارة” يمثل لي ولعائلتي محطة خاصة، تضيف معنى جديدًا وحبًا من نوع آخر لا يعلمه إلا من جرب مشاعر الأجداد.
الأبناء جزء من روحنا، ولكن الأحفاد هم أعز ما في القلب، يأتون ليعطوا الحياة تجددًا ورونقًا لم نعهده من قبل. يقول المثل العربي: “ما أغلى من الولد إلا ولد الولد”، وهو تعبير صادق عن تلك المشاعر العميقة التي يعيشها الجد والجدة. الأجداد يختبرون مزيجًا من مشاعر الحنين والسعادة؛ إذ يعودون بذاكرتهم إلى أيامهم الأولى كآباء، مستذكرين مراحل الطفولة التي مرت بسرعة مع أبنائهم. ومع الأحفاد، يأتي شعور بالحنين لتلك الذكريات، ويتجدد شغف الرعاية والمتعة بعيش التجربة من زاوية مختلفة، بعيدًا عن ضغوط التربية، فتكون العلاقة أهدأ وأعمق.
إن من أروع ما قيل في ذلك قول الشاعر المتنبي:
“لكل امرئٍ من دهره ما تعوّدا
وعادة سيف الدولة الطعن في العدا”
ففي الحياة، لكل مرحلة عادة وأسلوب، فكما للآباء دور في الصرامة والحزم، للأجداد دور في الاحتضان والحنان. الجد يرى حفيده نظرة أعمق، فهو اليوم مشرف حكيم، يعلم أن الحياة لا تستحق القلق، وأن كل خطأ هو فرصة للتعلم والنضج.
بعد أن يصبح المرء جدًا، تتغير الحياة في جوانب عديدة؛ فيظهر شعور بالمسؤولية الممتدة، ورغبة في ترك إرث من الحكمة والقيم لأجيال المستقبل. يفتح الأحفاد للأجداد أبوابًا جديدة للسعادة، فيتعلّمون كيف يحكون القصص والحكايات التراثية، وكيف ينقلون للأحفاد عبق التراث وقيم الأجداد، فيمتلئ البيت بصدى الذكريات وأصوات الضحكات، وتصبح حياة الجدّ أكثر غنى ورضا، محتفيًا بجيل جديد يكمل رحلة العائلة.