الموسوعة

رحلتي مع (أبو سعد)

صحوتُ هذا اليوم عند السادسةصباحا ،
من وراء شباك الغرفة وجدت السماء ملبدة ببقايا غيوم، أما الشارع فبدا مغسولاً بالمطر، جهزت نفسي للخروج كنت على موعد مع (ابو سعد).
انطلقنا وكانت حبيبات المطر الناعمة تداعب زجاج سيارتنا .
تجاوزنا الحايرية فالحشرج ثم القوامه …!
إلى أين نحن ذاهبون؟
لم يجب (أبو سعد)
رفعت وجهي نحو السماء فإذا السماء كما هي عندما أبصرتها قبل ساعة ، لا تزال السحب متراكمة بل تكاد تقترب منا وكأنها تستعجلنا في المسير.
إلى أين نحن ذاهبون؟
كعادته لم يجب (أبو سعد)
ولكن السماء كفته الإجابة
نحن ذاهبون إلى المطر .
هل حدث أن اقترحت على نفسك رحلة إلى المطر؟..
جرت العادة أن المطر يأتي إلينا، إلى شوارعنا وبيوتنا وإلى أرواحنا فيغسلها من التعب الساكن فيها. كما وردت هذه المقولة في كتاب لأحد الأدباء
لكن أن نذهب نحن أنفسنا إلى المطر فتلك متعة لا تضاهى.
خلفنا القوامه وراءنا وقطعنا المسافة باتجاه رياض ابن غنام ولكننا انحرفنا يسار الخط على مشارف واحة خضراء .
بدت بوادر عاصفة من غبار نذير المطر، قال الصديق أنها العاصفة التي تسبق الهدوء، وفجأة برقت السماء ودوت أصوات الرعود فجأة والمطرينهمر وبسرعة ….. شعرنا بفرح غامر، ثم فجأة وبدأ البرد يضرب بقوة زجاج السيارة كأنه يطالبنا بالعودة ،ولكن فرحتنا لا يقاومها أي شعور.
ها نحن إذن في جنفور ، واحة عشب وماء، هاهي أشجار السمر قد مسح المطر ما علق بها من شوائب في الفصول القاحلة والجافة ، فاكتست أغصانها لونا قشيبا مشاركة للأرض في فرحتها بقدوم ماء السماء ، وهاهي القيعان في حالة مخاض تعلن عن ولادة التسيار والشرشر وما حملت به من أعشاب برية أخرى.
متعة لا تضاهيها متعة وأنت تعيش لحظة ولادة هذه الأعشاب وشقها لسطح الأرض .
الأرض هذه الأم الحنون التي تبدو سعيدة بولادتها وحريصة على نماء مواليدها ، فتكتنز الكثير من المياه التي نراها يمنة ويسرة على امتداد القاع لتغذي ما حباها الله من مواليد.
هذه الأرض ، هذه الأم، يؤرق صفوها ويكدر فرحها بما أنجبت ما تراه من تعدي صريح عليها وعلى ما حباها الله به ، فهي تشكو حتما من سيارات العابرين ، التي تأخذ هذه القيعان روحة وجيئة ،وتترك ما رُسِمَ لها من دروب وتصر على أن تطأعلى بنياتها وتذرها تئن من وطأة ما أصابها، تذرف دموعها ثم تنثني صرعى لتعلن النهاية قبل البداية.
وأكثر ما يخوف هذه الأرض هي غنيمات (ابو سعد) التي لا ترحم صغر ما أنجبت هذه الأرض ، وتنظر إليها بعين شزرة ترقب متى ترفع هذه المواليد رؤسها لتنقض عليها وتزيلها عن بكرة أبيها.
ثم لا تلبث حرارة الشمس أن تُجْهِزَ على ما تبقى مما بذرته هذه الأرض.
رحماك ربي بهذه الأم المكلومةالتي ما كادت أن تحتضن مواليدها وتبتهج برؤيتهم حتى جار عليها زائروها ومن احتضنتهم ذات يوم وكأنهم لا يريدون لها إلا أن تبقى عقيما جرداء.
ها نحن نستعد للمغادرة وفكري تائه بين فرح وحزن فرح وابتهاج بما منَّ الله به على هذه الأم المباركة وشكر هذه الأم لربها بإظهار ما خبأته فترة بياتها ، وشعور بالحزن على مصير هذه الأم الذي ينتظرها من مفترسي أبناءها ،وأولهم (أبوسعد )الذي ألمح في عينيه نظرة استعجال وتأهب ليطلق شويهاته على هذا الصيد الثمين قبل أن يسبقه الحائمون حول هذا القاع.
في طريق العوده لم يُخْفِ (ابو سعد) مخططه وما يدور في ذهنه من أفكار، كان يتحدث بعفوية وبفرحة وسعادة غامرين حتى أوصلني إلى منزلي
لم أزد عن أن أقول له( مع السلامة……..!)
محمد البدري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى