يقدم ابن خلدون في “المقدمة” فلسفة شاملة لفهم تطور المجتمعات وتحليل أسباب نموها أو انحدارها. عند تطبيق هذه الفلسفة على محافظة تربة، نجد أنها تُظهر تطورًا حضريًا متأثرًا بالعوامل الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية.
يُعتبر الترابط الاجتماعي أو “العصبية” أساسًا في بناء المجتمعات وتشكيل الاستقرار. في محافظة تربة، كانت الروابط القبلية عاملًا رئيسيًا في تأسيس المجتمعات والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. مع مرور الوقت، تحولت العصبية إلى علاقات مجتمعية متينة تعزز من التماسك الاجتماعي، مما ساعد في تأسيس بنية اجتماعية قوية تدعم التنمية.
وعند مراقبة واقع النشاط الاقتصادي في تربه يتأكد لنا أنه المحرك الرئيس للعمران. محافظة تربة، بفضل وفرة المياه وخصوبة الأرض، اعتمدت تاريخيًا على الزراعة كنشاط اقتصادي رئيسي، خاصة زراعة النخيل التي لعبت دورًا محوريًا في اقتصادها. مع تطور الزمن، تطورت الأنشطة الاقتصادية لتشمل التجارة، والرعي، والأنشطة الخدمية، مما أدى إلى تنوع الاقتصاد المحلي وجعل تربة مركزًا تجاريًا مهمًا في المنطقة.
ولو نظرنا الى البيئة الجغرافية وتأثيرها في تطور المجتمعات نجد أن البيئة الزراعية في تربة ساعدت في تحقيق استدامة اقتصادية، حيث تعتمد معظم الأنشطة الاقتصادية على الموارد الطبيعية المحلية. مع ازدياد الوعي بأهمية البيئة، وبالتالي تجلت في تربة توجهات نحو تبني مشاريع تنموية مستدامة تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية من خلال تقنيات الري الحديثة وزراعة النباتات المحلية المقاومة للجفاف.
يشير ابن خلدون إلى أهمية التوازن بين التطور والعوامل البيئية. محافظة تربة تُظهر تطبيقًا فعّالًا لهذا المفهوم، حيث تم التركيز على التنمية المستدامة عبر تحسين البنية التحتية واستثمار الموارد الطبيعية بشكل مستدام. وقد ساعد هذا التوجه على تحقيق نمو اقتصادي متوازن مع الحفاظ على التراث البيئي والثقافي.
باختصار، تطور محافظة تربة يعكس مبادئ فلسفة ابن خلدون في فهم العمران، حيث تم تحقيق تطور اجتماعي واقتصادي مستدام مع مراعاة البيئة، ومع الاستمرار في هذه التوجهات ستصبح محافظة تربه نموذجًا معاصراً لتطبيق فلسفة العمران كما يراها ابن خلدون.