خطبة قصيرة
الرضا هو أن يتقبُّل الإنسان ما قدره الله -عز وجل- من أمور بدون تردد, ولا سخط أو معارضة، والصبر هو المجاهدة لتقبل الأحداث، وما أحوجنا إلى خطبة قصيرة عن الصبر والرضا.
إن الاستماع إلى الخطب تساعد على تحمل ما نمر به الصعاب، وتساهم في أنزال السكينة على النفس وبث الطمأنينة، وهذا ما دفعنا لتقديم خطبة عن الرضا والصبر بهذا المقال.
دعوة الكتاب والسنة للصبر والرضا
جاء في خطبة قصيرة وبالسنة النبوية الشريفة كثير من الأحاديث التي تحث العبد على التحلي بالرضا فيما قضى به الله -سبحانه وتعالى- فقد قال صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان” [صحيح مسلم: 2664].
وذكر في كتاب الله عز وجل فضيلة التحلي بالرضا:
- قوله تعالي ــ معقبًا على سيدنا عيسي بن مريم (عليه السلام) بمواقف الحساب في يوم القيامة ــ : “قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (119) سورة المائدة.
- وقوله سبحانه وتعالي: “هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” (60) سورة الرحمن.
طريق وثمار الرضا
تعد خطبة قصيرة عن الرضا يذكر فيها أن عدم الاعتراض وعدم السخط، وتقبل ما حدث للإنسان من أمور صعبة دون ضيق أو ضجر هي أهم شروط الرضا، وأن يتحلى الإنسان بالصبر ولا يشكو بالألم أو المكاره حتى ينال الثواب العظيم.
وطريق الرضا هو الهمة العالية التي تتجسد داخل الإنسان حبًا لله تعالى، وأن تكون نفس العبد نفس ذكية وتدريب النفس على حب كل ما يرد عليه من الخالق سبحانه وتعالى خيره وشره.
ثمرات الصبر والرضا
ومن قراءة خطبة قصيرة يمكن التعرف على الثمرات التي يحصدها الإنسان عندما يصبر ويرضى، ويذكر لنا موقع البوابة أهم هذه الثمرات هي:
- إن العبد مفوض وهو الذييرضى بكل ما يختاره الله له خاصةً إذا أيقن أن كمال حكمة الله ورحمته ولطفه بعباده.
- إنه جازم أي أنه لا تبديل لأوامر الله، ولا راد لقضائه ولحكمه.
- إن الإنسان عبدٌ محض، والمحض هو الذي لا يسخط على ما قضى الله به.
- إن السخط ما هو إلا بابًاللهم والغم والغوص في الحزن، والشعور بشتات القلب، وسوء الأحوال.
- إنه بالرضا تنزل السكينة عليه ومتى نزلت السكينة، استقام العبد وصلحت جميع أحواله وهدأ باله.
الخطبة الأولى عن الصبر والرضا
ونقدم لكم خطبة قصيرة الغرض منها هي تقوية العبد وجذبه على مجاهدة الأمور الصعاب التي قد يتعرض لها أو تنزل به، وجاء بالخطبة ما يلي:
أن الحمد لله الرب الرحيم، الحكيم بما يقدره ويقضيه بكل زمان ومكان، وهو اللطيف الخبير بعباده حين تقلقهم وتشغلهم الهموم وما يصيبهم من أحزان، الله سبحانه وتعالى هو الذي وعد الصابرين بأجر عظيم بدون عدٍّ ولا حسبان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وهو من صبر على طاعته سبحانه وتعالى وصبر على ما قدره الله له وصبر على من أذوه من بني الإنسان، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فسوف أقدم لكم هذه خطبة قصيرة:
يا عباد الله، اتقوا الله تعالى في السراء والضراء، “وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” [البقرة: 281]، واعلموا عباد الله أن الصبر من الدين بمنـزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبرْ يصبرْه الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر، وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور.
والصبر من مقامات الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، قال الله تعالى عن عباد الرحمن: “أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا” [الفرقان:75]. وقال عن أهل الجنة: “وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ . سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” [الرعد: 24:25]
عباد الله، من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة استنبط أهل العلم أن للصبر ثلاثةَ أقسام، صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
فأول أنواع الصبر: هو الصبر على طاعة الله وهو أن يُلزِم الإنسان نفسه طاعة الله وعبادته، ويؤديها كما أمره الله تعالى، وألا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء.
وأما النوع الثاني فهو الصبر عن معصية الله، بأن يمنع الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه، مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، فمتى علم العاقل ما في الوقوع في المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي أوجب ذلك أن يدعها خوفًا من علام الغيوب.
ونتذكر عباد الله في القسمين السابقين من الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله قولَه صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات” [صحيح مسلم: 2822]، وعند البخاري أيضا: “حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” [صحيح البخاري: 6487].
قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لا يُوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فمعنى هذا الحديث أن من أراد الفوز بالجنة والنجاة من النار، فعليه بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، ولو وجد في ذلك مشقة على نفسه، والحقيقة أن هذه المشقة تتلاشى كلما زاد إيمان العبد، وقويت صلته بمولاه.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم آمين.
الخطبة الثانية عن الصبر والرضا
وتعد خطبة قصيرة الثانية والتي سوف نقدمها لكم من أمثلة الخطب التي تحث على التمسك بالصبر حتى يمكن للإنسان نيل الأجر والثواب إن شاء الله وهي كما يلي:
الحمدُ لله الذي حضَّ على الصبر وجعله مفتاحًا لأسمى المطالب، وأعظَمَ به للصابرين الأجر وأنالَهم أسنى الرغائب، وبشَّرهم بأن عليهم صلواتٍ من ربهم ورحمةً، وأنهم هم المهتدون، أستغفرُه وأشهد أن لا إله إلا الله، جعل عاقبة الصبر الظفر، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، أقوى مَن صبر، صلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وأصحابه ومَن بهداهم مقتدون.
عباد الله، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 153]، وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [آل عمران: 200]، وقال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” [الزمر: 10]، وقال تعالى: “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ” [الأحقاف: 35].
عباد الله، إن الصبر -كما في الحديث الشريف- نصف الإيمان، وركنٌ من أركان الرضوان، وطريق الوصول إلى الرحمن، فلا عجبَ إذ أكَّد المولى سبحانه وتعالى في طلبِه، وجعله من عزم الأمور، ورتَّب عليه مزيد حبِّه وقربه، ووعد مَن اتصف به عظيم الأجور، وجعله في هذا الوصف الجليل شريكَ الأنبياء والمرسلين، فإنهم صلوات الله وسلامه عليهم أشدُّ الناس بلاءً وأعظمهم محنة.
وما مِن رسول إلا أوذي بأنواع الأذى، وأُصيبَ بأنواع الشدائد، فما كلَّت له عزيمة، ولا ضعُفت له قوة، ومثلهم عبادُ الله المقربون، ولقد لقي نبيُّنا صلى الله عليه وسلم مِن قومه ما يُفتِّت الأكباد ويُذيب القلوب، فما جزع ولا قلق، وما كان جوابه إلا أن يقول: “اللهم اهدِ قومي، فإنهم لا يعلمون”.
فاعلموا يا عباد الله أن مَن أراد الله به خيرًا ابتلاه، فإن أعد للبلاء قلبًا صبورًا ونفسًا راضية مطمئنة، كان له الحظُّ العظيم، والأجر الكريم، ونال مِن مولاه ما يتمنَّاه، وأما إن جزع وسخِط، فما جزاؤه إلا الحرمان من الأجر، فضلًا عما ارتكبه من الوِزْر، ولا رادَّ لِما قضاه الله.
واعلموا أنكم مكلَّفون بالواجبات، وممنوعون من المحرَّمات، وهذان قسمان من أقسام الامتحان، إن صبرتم على أداء الواجب، وصبرتم عن فعل المحرَّم، كان جزاؤكم كبيرًا، وأجركم عظيمًا.
ثم إن الله تعالى يبتلي عبادَه بالنعمة كما يبتليهم بالمصيبة، فالصحة نعمة، والعافية نعمة، والقوة نعمة، وسلامة الجوارح نعمة، والمال نعمة، والأولاد نعمة، والجاه نعمة، ونِعَم الله لا تُعَد، ومِنَنه لا تحصر، وربما كان الصبر على النعمة أشدَّ مِن الصبر على المصيبة، والصبر على النعمة بشكر المنعِم، والقيام بما أمَر، والانتهاء عما عنه زجَر.
فهنيئًا لمن كتبهم الله من الصابرين، فنالوا مقامات الصدِّيقين المقرَّبين، أولئك الذين “تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ” [فصلت: 30 – 32].
روى الشيخان: “ما يصيب المؤمنَ مِن نَصَب ولا وَصَب، ولا همٍّ ولا حَزَن، ولا غَم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه”.
وروى مسلم: “ما من مسلم يُشاك الشوكة فما فوقها، إلا كتب الله له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة”، فاللهم اجعلنا لِنِعَمِك شاكرين، وعند البلاء صابرين.
ومن خلال خطبة قصيرة نجد أنها تشتمل على الكثير من الآيات الكريمة التي تحث على الصبر والرضا لما فيه من تقبل للأمور خيرها وشرها، ومما قضى الله به سبحانه وتعالى، فبالرضا تهدأ النفس وتسكن، رغبة في الحصول على الجزاء العظيم عند الصبر.